سوريون يبحثون عن عروس.. ضحـ.ـايا الاحتـ.ـيال والجهل في تركيا
نبدأ بتفاصيل الخبر 👈 : أدرك أبو مجاهد (كما يكني نفسه) أنه في خطر محدق بعد أن سرَقَت “سلمى” هاتفه وتركت البيت وهربت، عندها لم يعرف ما الذي يفعله
وبدأ رحلة العودة الشاقة من إسطنبول إلى بيته في غازي عنتاب وهو على كرسيّه النقال، ومعه خيبته وبضع ليرات.
بدأت قصة أبو مجاهد بعد وفاة زوجته منذ عام تقريباً، وخلال بحثه عن زوجة تعينه في وضعه الصحي، فهو مصابُ حرب ولا يستطيع الحركةَ بشكل طبيعيّ، وعمره تجاوز الخمسين.
ولم يترك صديقاً أو شخصاً يعرفه إلا وأخبره بأنه يبحث عن “بنت حلال” ومن بين الطرق التي استخدمها هو وضع منشور على فيس بوك طلب فيه زوجة صالحة وترك رقم هاتفه هناك.
من إسطنبول أخبرته “سلمى” بقصّةٍ تروي فقرها ووحدتها، وطلاقها ووضعها الماديّ وعدم إيجادها لعمل من دون تحرّش
وبعد عدد من مكالمات الفيديو طلبت منه مبلغ عشرة آلاف ليرة تركية مقدّم، ومثلها مؤخر
وهذا المبلغ المقدّم ستشتري به ملابس جديد تسمى “الكسوة” في العرف، وبعض المصاغ والحليّ، ووعدته أن تسكن معه في “عنتاب”.
بدأ أبو مجاهد بالبحث عن المبلغ واستدان معظمه، وقدّم بعض المعارف جزءاً من المبلغ كمساعدة له في زواجه
وبعد أن انتهى حظر رمضان الماضي وعيد الفطر، بدأت رحلته، يقول أبو مجاهد “كنت سعيداً للغاية”.
في إسطنبول في منطقة الفاتح كانت العروس في استقباله وجلست معه في حديقة قريبة، وأخبرته بأن البيت سكن خاص بالبنات صديقاتها
وأن عليهما الانتظار ساعة أخرى ليكون البيت جاهزاً، وعند الصعود إلى البيت أتت له ببعض الفطائر الساخنة وكأس عصير “تمر هندي”
بعد أن شربه شعر أبو مجاهد بدوارٍ شديد وعدم قدرته على استيعاب الكثير مما يدور حوله وظن أن هذا الدوار سببه السفر الطويل ووضعه الصحي
بعد قليل جاء شيخ يرتدي الزي المتعارف عليه، بدفتره وعمامته ولحية خفيفة، وجاء الشاهد وزغردت الصديقات، وبعد كتابة العقد، غادر الشيخ فنزعت “سلمى” حجابها
وطلبت من صديقتيها أن يأتوا لها بطعام الغداء “للعرسان الجدد” بحسب تعبيرها
ثم طلبت العروس من عريسها هاتفه لتتحدث معهنّ وبدأت تمشي في البيت جيئة وذهاباً وتبتسم له، ثمّ اختفت.
انتظر أبو مجاهد لخمسة ساعات، من دون خبر، وذهب لقسم الشرطة وأخبرهم بقصته فقالوا له بأنهم لا يعرفون هذه القصة، ومنطقة الفاتح لا تتبع لهم، وعرف أن البيت مستأجر لساعات فقط، وبدأ رحلة الخيبة والعودة إلى عنتاب حيث يقطن.
لم تنته قصة سلمى، فقد اتصلت به في اليوم التالي، وأخبرته بأنها رأفت بحاله بسبب وضعه الصحي، وبأنها سرقت من غيره خمسين ألفاً
وسألته عن عصير “التمر هندي” باستهزاء وكيف كان شعوره بعد أن شربه، وأخبرته بأنها ستعيد له الهاتف الذي سرقته، مقابل 2000 ليرة تركية
وحاول أبو مجاهد أن يقنعها بالحلال والعودة عن هذا الطريق، فقالت له بأنها تكسب في يوم واحد عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة تركية، أما بالحلال فستكسب 100 ليرة فقط.
ليست قصة أبو مجاهد الوحيدة، فبحسب “سلمى” نفسها هي تدير هذه الشبكة منذ أكثر من عام في إسطنبول
وقد أوقعت العديد من الرجال بمختلف جنسياتهم العربية في الفخ، وتقول بأنها احترفت هذه المهنة وبأنها تعلمتها من المسلسلات التلفزيونية.
عروس مهرها العبور إلى تركيا:
تقول “أم عبدو” من حلب إن العديد من الفتيات السوريات يستخدمن حجة الزواج أيضاً للعبور إلى تركيا، وبعد أن يدفع العريس مهرها
وأجرة تهريبها من سوريا إلى تركيا وقيمتها 2000 دولار على الأقل، تهرب العروس، وتؤكّد: “إحداهن قريبة لي عادت إلى سوريا بعد أن أخذت الذهب والمبلغ المقدّم وقالت بأنها لم تحبّ العريس، ولا تستطيع الاستمرار معه”.
“أم عبدو” وهي سيدة أربعينية من اللواتي استطعن العبور من سوريا إلى تركيا مؤخراً بعد عيد الفطر، تقول بأن من رافقنها في الرحلة كلّهن فتياتٌ سوريات
يحاولن الدخول إلى تركيا للوصول إلى العريس المنتظر، أعمارهن بين 16 و22 عاماً من مختلف المحافظات السورية.
وقالت قريبتها “أم سامر” والتي تستقبلها في غازي عنتاب: “العديد من السوريات يأتين بعدم رغبة منهن في الزواج ويهربن
وإن لم تجد أقاربها في استقبالها، تعمل في المعامل وتسكن في سكن للبنات، وبحسب بيئتها السابقة قد تستمر وقد تتجه إلى طرق منحرفة”.
الاحتيال عبر الزواج العرفي:
“علياء” عمرها 18 عاماً، مطلّقة ثلاث مرات، وتقول باكية بأنّ أمها تزوّجها رغماً عنها، وهي تريد أن تكمل دراستها
سألتها عدة أسئلة بسيطة في منهجها الدراسي ولم تعرف الإجابة واعترفت بأنها دفعت نقوداً لفتاة دخلت عوضاً عنها إلى الامتحان.
تعمل “علياء” مع أمها على سيناريو غير متفق عليه، وكأنه غريزي، تأتي الأم بزوج لابنتها، فترفضه الفتاة وبرفضها تطلب الأم أن يراضي طفلتها الصغيرة بالنقود والذهب والهدايا
وبعد فترة تأتي بشيخ لإبرام عقد النكاح، ويبدأ السيناريو الجديد، الزوج واثق فقد كتب الشيخ العقد
وبعد أن تنفد أمواله في هذه المرحلة، تبدأ الفتاة بالبكاء والهرب من البيت ومحاولات الانتحار إلى أن يطلقها خوفاً عليها أحياناً ومن زوجته القديمة أحياناً أخرى.
تقول “مروة” صديقة علياء: “في المرة الأولى كانت القصة طبيعية، ولكن بعد خوف الزوج وتطليقه وعدم رغبته بالفضيحة، بدأت تتحول القصة إلى عمل
وتأتي “علياء” أيضاً بالعرسان السوريين عن طريق الفيس بوك، ومؤخراً بدأت بنشر أجزاء من صورتها لتجذب عرساناً أكثر
فهي جميلة وعذراء وتوافق أن تكون زوجة سريّة ثانية لأشخاص تجاوزوا الخمسين، ولديهم زوجات وحالتهم المادية فوق المتوسّطة”.
وتضيف مروة: “نصحتها كثيراً، لكنها تعيش في عالم من الوهم والكذب، تغيّرت كثيراً واستأجرت بيتاً خاصّاً بها، ولا أعرف ما الذي تنوي فعله بالبيت
بعد أن تزوجت من دون دخلة ثلاث مرات، وتتم خطبتها تقريباً كل شهر مرة أو اثنتين، آخر العرسان جاء من بورصة، اشترى لها خاتماً من الذهب سعره بحسب ما قالته لنا 4000 ليرة”.
القانون التركي:
لم يستطع الضحايا في معظم قصص الاحتيال التي وصلنا إليها استرداد حقوقهم، فما يحدث من زواج خارج المحاكم والأطر القانونية لا يقبل به القانون التركي
المحامي السوري “محمود حمام” قال لموقع تلفزيون سوريا: “إن ما يحدث من قضايا احتيال هو استغلال للفرق بين العادات والتقاليد السورية، وبين القانون التركي
ففي تركيا يُحبس من يعقد قرانه خارج المحاكم التركية، وعقد النكاح يجب أن يتم حصراً في دوائر الزواج في البلديات المحلية
وقد صدقت تركيا على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بتوثيق الزواج المدني عام 1962م، كما يمنع القانون التركي تعدد الزوجات”.
وأضاف: “اجتماعياً خروج المجتمع السوري خارج أطره القديمة، وتعرضه القسري لتيارات متعددة وبشكل سريع، ونسبة الأمية والجهل المرتفعة
وتشتت العوائل وضعف الزجر الاجتماعي الذي كان يمنع في السابق مثل هذه الحوادث هي أحد المسببات لهذه القضايا”.
وأكّد أن مثل هذه القضايا كانت نادرة في سوريا خلال عمله لسنوات طويلة هناك، ويعتقد أن هناك نية غير سليمة أحياناً لدى الطرف الثاني
فالزواج مؤسسة ديدنها الإشهار والاستمرار، والسؤال عن العائلة وعما إذا كانت مناسبة هو أقل ما يمكن عمله لمن لا يرغب بأن يكون زواجه هو دعارة مبطّنة
المصدر : أوطان بوست