محمد فردوس أتاسي مخرج “الطبيبة” و”المحـ.ـكوم” الذي قاده لقب حافظ العائلي إلى فرع المخـ.ـابرات!
محمد فردوس أتاسي مخرج “الطبيبة” و”المحـ.ـكوم” الذي قاده لقب حافظ العائلي إلى فرع المخـ.ـابرات!
جاء رحـ.ـيل المخرج “محمد فردوس أتاسي” أمس السادس من حزيران/ يوينو الجاري، متأثرا بإصـ.ـابته بفيـ.ـروس كـ.ـورونا، كحلقة من حلقات رحيل جيل من الفنانين السوريين والعرب الذين يتساـ.ـقطون تباعاً
إما بسبب التقدم في العمر بيولوجيا، أو نهاية العـ.ـصر الذي عاشوه وصنعوه إبداعيا، فيما المنطقة تخـ.ـوض منذ عقد من الزمن مخـ.ـاضا عسيرا مع الطـ.ـغاة.. وقف معظم أبناء هذا الجـ.ـيل القديم موقف المتفـ.ـرج منه، أو الصـ.ـامت على أقل تقدير.
لا ينتمي محمد فردوس أتاسي المولود في مدينة حمص عام 1942 لأسرة أتاسي السياسية العـ.ـريقة، إلى جيل الرواد من مخـ.ـرجي الدراما التلفزيونية الذي مثله سليم قطايا وجميل ولاية وخلدون المالح وعلاء الدين كوكش وغسان جبري..
ومعظمهم اكتشف الإخراج التلفزيوني بموهبته ودأبه ودورات تأهـ.ـيلية سريعة في إيطاليا أو ألمانيا عندما أنشئ التلفزيون على عجل في زمن الوحدة مع مصر عام 1960..
لكنه ينتمي إلى الجيل الثاني من مخرجي السينما والتلفزيون، الذي درس الفن في دول المعسـ.ـكر الاشتـ.ـراكي في الغالب، ومنهم محمد فردوس أتاسي الذي درس الإخراج في معهد الفنون المسرحية في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا سابقا.
دراما العمال والفلاحين والإقطاع!
أولى المسلسلات التلفزيونية التي حملت توقيع محمد فردوس أتاسي كانت مسلسل (البيادر) تأليف علي عقلة عرسان وفوزي عوض الدبعي
ومن بطولة (فؤاد الراشد، أحمد عداس، فايزة شاويش، هدى شعراوي، رشيد عساف، عباس النوري، أنطوانيب نجيب.. ) وإنتاج التلفزيون السوري عام 1976
كان العمل ينطق باللهجة الحورانية، وتدور أحداثه حول صـ.ـراع الفلاحين مع الإقطـ.ـاع، وفق المنظور الاشتـ.ـراكي البعـ.ـثي الذي كان قد بدأ يتسلل إلى الدراما التلفزيونية السورية بين عمل وآخر..
وكان طبيعيا بالنسبة لمخرج أراد أن يقدم أوراقه للجمهور من خلال الجهة الإنتاجية الوحيدة آنذاك: التلفزيون السوري.
فنياً استعار محمد فردوس أتاسي تقنية الراوي والأشعار الدرامية من المخرج علاء الدين كوكش التي قدمها لأول مرة في مسلسل (حكاية حارة القصر) مع الشاعر (حسين حمزة) نفسه، ابن حوران التي تدور أحداث (البيادر) في بيئته ذاتها..
في العام التالي وقع محمد فردوس أتاسي ثاني مسلسلاته التلفزيونية، مسلسل (أحلام منتصف الليل) الذي كتبه رياض نعسان آغا..
ومن بطولة: (ملك سكر، هاني الروماني، مها المصري، عباس النوري سلوم حداد) إلى جانب الوجه الجديد آنذاك (سمر سامي) في أولى أدوارها التلفزيونية.
تدور أحداث المسلسل حول أسرة عامل يقع في عجـ.ـز عن العمل وتجد بناته أنفسهن مسؤولات عن نفقات العيش
حيث تبزر صعوبات اقتحـ.ـام العمل، والصراع مع المستغـ.ـلين، ليؤكد العمل أن التسـ.ـلح بالعلم والمعرفة يفتـ.ـحان آفاقاً واسعة للمرأة، ويجعلها أقوى في مواجهة المجتمع الذكوري “المتخـ.ـلف”!
ميلاد البعـ.ـث في فيلم تلفزيوني!
في السياق نفسه قدم محمد فردوس أتاسي تمثيلية (الميلاد) عام 1984 ليحيي ذكري ميلاد حزب البعـ.ـث من خلال صـ.ـراع الفلاحين مع استغـ.ـلال الإقـ.ـطاع
والذي كان يقدم رمز الطبقة الرجعية العفنة التي يتم حـ.ـرقها رمزيا في نهاية هذا الفيلم التلفزيوني الذي كتبه رياض سفلو، ولعبت بطولته جيانا عيد
ودأب التلفزيون السوري على إعادة بثه سنويا في ذكرى “ميلاد البعث العمـ.ـلاق” كما يقول النشيد البعـ.ـثي السخيـ.ـف!
وهكذا كان محمد فردوس أتاسي، ابن حمص اللطيف المعشر، والحاضر النكتة، والذي يكفي أن تشترك معه في عمل واحد كاتبا أو ممثلا كي تكون أحد أصدقائه..
المخرج الذي مثل – بشكل أو بآخر – ثقافة البعـ.ـث في الدراما السورية في حقـ.ـبتي السبعينيات والثمانينات..
وهو لم يكن وحده في ذلك بل معه الكتاب الذين تعامل معهم أمثال رياض سفلو ورياض نعسان آغا ود. محمد زهير براق وسواهم من الكتاب الذين مثلوا الدراما التقليدية التي تغازل مفاهيم البعـ.ـث واليسار في تلك الفترة.
رغم ذلك لا يمكن وصف محمد فردوس أتاسي بالمخرج المؤدلج أو ضيق الأفق.. لكنه كان ابن موجة رائجة في الدراما والفن لم ينج منها إلا قلة قليلة ونادرة.. دون أن ننسى طبيعة النصوص التي كانت تكتب في تلك الفترة.
المسلسلان الأكثر جماهيرية
في سجل محمد فردوس أتاسي الطويل مسلسلان حققا جماهيرية عالية في زمن بثهما، الأول هو (الطبيبة) تأليف رياض نعسان آغا ومحمد زهير براق
وإنتاج التلفزيون السوري عام 1988 وهو العمل الذي كرس نجومية جيانا عيد قبل أن تفقد ألقها وبريقها سريعا..
كما ساهم في تكريس نجومية رشيد عساف الطويلة الأمد.. والمسلسل الآخر هو (المحـ.ـكوم) تأليف المرحوم رياض سفلو وبطولة جمال سليمان وفرح بسيسو وهاني الروماني وخالد تاجا وفاديا خطاب.. ومن إنتاج التلفزيون السوري عام 1996.
كان مسلسل (الطبيبة) دراما اجتماعية عن طبيب وفوارق طبقية ومزيج من قصص الحب التي تحاول أن تتحدى الصـ.ـعاب يدعمها فنان تشكيلي تقدمي..
خلطة من الخطوط الدرامية النمطية المتأثرة بالدراما المصرية التقليدية لكن محمد فردوس أتاسي بحسه الميلودرامي استطاع أن يبث فيها الحيوية..
أما مسلسل (المحـ.ـكوم) فكان دراما بولـ.ـيسية تدور في أجواء السجـ.ـون وقصور الفاسـ.ـدين وتجـ.ـار الآثار..
ورغم النجاح الجماهيري اللافت الذي دفع بالتلفزيون المصري حينها لاختيار (المحـ.ـكوم) كأول مسلسل سوري يعرض على شاشة التلفزيون المصري الذي لم يعرض في تلك الفترة أعمالا درامية غير مصرية
فإن من يرى حلقات (المحـ.ـكوم) على (اليوتيوب) لابد سيشعر بكثير من التندر على الصورة المثالية للسجـ.ـون في مزرعة سوريا الأسـ.ـد، حتى لو كانت جـ.ـنائية
وعلى سماح إدارة السجـ.ـن للمحـ.ـكوم “جمال سليمان” بالخـ.ـروج من السجـ.ـن لحضور جنازة والدته لأنه حسن السيرة والسلوك!
دراما السيرة الذاتية واليوميات العائلية
إلى جانب الدراما الاجتماعية ببعدها الاجتماعي التقليدي أو المؤدلج.. برع محمد فردوس أتاسي في تقديم مسلسلات دراما السيرة الذاتية التي تروي سير حياة مشاهير الفن والأدب
فقدم جمال سليمان في دور المؤرخ والجغرافي ياقوت الحموي في المسلسل الذي كتبه أنور تامر وأنتج عام 1998، وقدم قصة حياة الأديب اللبناني الأبرز جبران خليل جبران في مسلسل (الملاك الثـ.ـائر)
والذي كتبه الروائي السوري نهاد سريس وأنتجه ابن عمه المنتج السينمائي العريق نادر أتاسي وشارك فيه ممثلون سوريون ولبنانيون وجسد دور جبران فيه شادي حداد، ووالده فارس حلو، ووالدته سوزان نجم الدين..
ورغم الأجواء التاريخية البعيدة عن الحياة المعاصرة لمسلسل (ياقوت) فإنه تفوق في النجاح الجماهيري على مسلسل (جبران خليل جبران)
الذي عـ.ـانى من سوء اختيار الممثلين كسوزان نجم الدين التي قدمت أداء متواضعا لشخصية قدمت بثراء في السيناريو..
فضلا عن تواضع أداء الممثلين اللبنانيين عموما وانتمائهم لمدرسة تمثيلية مصطنعة ومحدودة الأدوات والانفعالات، لم يستطع فردوس أتاسي أن يخلصها من أمراضها.
قدم محمد فردوس أتاسي الدراما الاجتماعية في صيغ متعددة، في مسلسل (نهـ.ـاية اللعبة) الذي كتبه
وأنتجه داود شيخاني وأنتج عام 1990 تناول في أجواء دمشقية شعبية ومعاصرة قصة تهريب الآثار من الشام القديمة وبيعها بالدول الغربية..
وفي مسلسل (يوميات عائلة) الذي كتبته ريم حنا وأنتج عام 1996 قدم دراما عائلية ذات موضوعات مرهفة مستقاة من الحياة اليومية التي برعت ريم حنا في كتابتها.
استثمر محمد فردوس أتاسي، مخرجا حاضرا في الدراما السورية، وفي إنتاج شركات القطاع الخاص كما التلفزيون الرسمي.. دون أن يبلور اتجاها خاصا به..
فهو مخرج حاضر في الذاكرة في أعمال حققت نجاحا جماهيريا، لكنه في الوقت ذاته
لم يستطع أن ينتزع مكانة خاصة به بين مخرجي الجيل الثاني للدراما التلفزيونية السورية..
أما جوائز مهرجان القاهرة التي نالتها بعض أعماله وأعمال غيره، فيعرف كل العاملين في الوسط الثقافي أنها ليست معيارا للتميز بسبب رداءة المهرجان وكثرة جوائزه التي باتت بلا رصيد.
حافظ “الجحـ.ـش” أم الوحـ.ـش؟
عاش محمد فردوس أتاسي ما يقرب من الثمانين عاما، معتدا بنسبه لأسرة أنجبت ثلاثة رؤساء لسورية، كان عميدها فخامة الرئيس هاشم أتاسي الذي كان عنوانا للحكم الدستوري الرشيد
وكان أبرز ضحايا الرئيس الطبيب نور الدين أتاسي الذي قضى 23 عاما في سجون حافـ.ـظ الأسد بعد تنفـ.ـيذ انقـ.ـلابه عام 1970
دون أي ذنب ارتكـ.ـبه سوى أنه كان واجهة تلـ.ـطت خلفها العسـ.ـكرتاريا الانقـ.ـلابية العلوية
قبل أن تحـ.ـكم قـ.ـبضتها على الدولة والجيـ.ـش والأمن وترميه هو نفسه في السجن… وقد استدعي محمد فردوس أتاسي ذات مرة إلى أفرع الأمن
بعد أن كتب فيه أحدهم تقريرا يقول إن أبا عبدو “وهذه كنية الأستاذ فردوس” يقول إن لقب عائلة حافظ الأصلية هي الجـ.ـحش وليس الأسد..
وقد كان عليه أن يثبت أنه قال “الوحـ.ـش” وليس “الجـ.ـحش” كما قال تقرير الواشـ.ـي.. باعتبار أن هذه معلومة تاريخية ليس قـ.ـصدها الإسـ.ـاءة..
وربما تمكن من ذلك بصعوبة مسـ.ـتعينا بسجل أعماله الفني الحافل وبصداقاته مع فنانين وكتاب من أصدقائه، مقربين من أجهزة الأمن بطبيعة الحال.
الصمت في زمن الثـ.ـورة
أدرك محمد فردوس أتاسي الثورة وهو في السبعين من العمر.. لم يخرج ليشبـ.ـح أو يشـ.ـتم الثـ.ـوار.. لكنه لم يقل كلمة في مناصرة حق السوريين بالثـ.ـورة
وفي مسلسله الأخير (وطـ.ـن حاف) الذي كتبه كميل نصراوي، وأنتجته مؤسسة الإنتاج الدرامي التابعة لنظام الأسد عام 2013 قدم محمد فردوس أتاسي
عملا مزورا في تشخيصه للواقع الذي أدى لانفـ.ـجار الثـ.ـورة، وفي البحث عن أسباب “الأز.مة” كما يسميها شبيـ.ـحة النظام.
في هذا العمل.. يجري الحديث عن الفسـ.ـاد والانتهـ.ـازيين ومن يرون في الوطن حالة مصلحة تربطهم به علاقة نفعية..
لكن أبدا لا يجري الحديث عن القـ.ـمع والاستبـ.ـداد وغيـ.ـاب الحـ.ـريات، وعن العصـ.ـابة الطائفية الحـ.ـاكمة
ومنها من أشـ.ـرفوا على إنتاج المسلسل نفسه في مؤسسة الإنتاج الدرامي نفسها.
رحم الله محمد فردوس أتاسي.. المخـ.ـرج الذي أخلص لعمله وفنه ضمن الرؤى الخاصة به، وعمل ضمن المتاح
وحاول أن يتصالح مع زمن متجـ.ـهم وثقـ.ـيل الد.م لا يشبه روحه المرحة الفكهة، التي ظلت عنوان حضوره في الحياة، أكثر مما هو في الفن.
المصدر : أوطان بوست