بتــذكــرة 16 ألف يورو من سوريا .. لاجـ.ـئ سـ.ـوري في رحلة بحـ.ـث عن والديه عند الحـ.ـدود البولـ.ـندية!
مئات بل آلاف الـ.ـمــهــاجــريــن عند الــحــدود بين بــيــلــاروســيــا وبــولــنــدا. لــاجــئ ســوري مقيم منذ أعوام في الــنــمــســا يبحث عن والــديــه الــمــفــقــوديــن عند الــحــدود بعد أن فــقــد الاتصال بهما.
فهل تمكن من الــلــقــاء بهما؟ لم يلتق هفال روجافا (اسم مستعار) بــوالــديــه منذ 12 عاما. فهو يعيش منذ عام 2009 في الــنــمــســا ويعمل حلاقا هناك.
بنى هافال الشاب السوري البالغ من العمر 33 عاماً، محله وعلاقاته وشبكة زبائنه، وكل هذا مــهــدد الآن بــالــانــهــيــار، بسبب غــيــابــه عن المحل، وهو مــضــطــر لذلك، إذ عليه البقاء في بــولــنــدا بالقرب من الــحــدود الــبــيــلــاروســيــة في انــتــظــار والديه.
الأم تبلغ من العمر 55 عاما والأب 60 عاما، وهما مــعــلــقــان منذ أيام، بحسب قول هافل، عند الــحــدود في بــيــلــاروســيــا قرب بــولــنــدا ولــيــتــوانــيــا، من دون طــعــام أو شــراب أو أدويــة.
وكلما تمكن الوالدان من شحن هــاتــفــيــهــمــا، يتصلان بابنهما في بــولــنــدا. مرتان تمكن الابن من تحديد مــوقــعــهــمــا من خلال تطبيق معين، لكن الاتصال انــقــطــع معهما منذ يومين.
“لقد كانت هذه فــكــرة ســيــئــة أن أجــلــبــهــمــا إلى بــيــلــاروســيــا”، يــلــوم الشاب نفسه. اســتــأجــر هفال غرفة في فندق قرب الــحــدود، طيلة الحوار مع DW يمسك الشاب بهاتفه في انــتــظــار أي رسالة من والديه. بين الحين والآخر يرن الهاتف، يجيب ويــعــتــذر، فالاتصال يمكن أن يكون مهما جدا.
هفال يأمل أن يــقــربــه الاتصال خطوة تجاه والــديــه الــمــخــتــفــيــيــن عند الحدود. فهو يعلم جيدا أن ما يبعده عن والــديــه 30 كم فقط، لكن لا يمكن التواصل مــعــهــمــا.
“لم يأت والدي إلى بــيــلــاروســيــا بسبب الــمــال ولا بسبب الــحــرب في سوريا”، يقول هــفــال. شــقــيــقــتــان له يعيشان منذ أعوام في ألمانيا، وشقيق آخر له يعيش في الــنــمــســا أيضا. “أمي قالت، لم ألتق أولادي وبناتي منذ عشرة أعوام.
والدي ووالدتي لا يستطيعان الــعــيــش في الــنــمــســا بسبب الاختلاف في الــعــقــلــيــة، والسبب الوحيد الذي دفعهما إلى الــمــجــيء هو أنهما يريدان لقاء أولادهما”.
” اشترى والده تــذكــرة سفر في سوريا إلى مــنــســك من مكتب سياحي. مثل هذه الرحلات معروضة في كل زاوية هناك، بحسب قوله. ويشرح بالقول: “كل ما أردته هو لقاء أمي وأبي”. فهو هــارب من سوريا لأن الــحــرب هناك ليست حــربــه.
ولأنه هــرب من الــخــدمــة الــعــســكــريــة، فهو مــعــرض لــعــقــوبــة الــإعــدام. “وحتى لو أوقــفــنــي عــنــصــر من تــنــظــيــم داعــش، فإنه ســيــقــلــتــنــي. في حال عرف أنني كــرديــ”،
يقول هــفــال. ويتساءل الشاب الــكــردي قائلا: “نهرب من الــمــتــطــرفــيــن لأنهم يريدون قــتــلــنــا. وحين نصل إلى أوروبــا نسمع أننا مــســلــمــون. أنت تــهــرب من بــلــدك للبحث عن مكان آخر، حيث لا تــلــتــقــي الــمــتــطــرفــيــن، ثم يتم إبــعــادك لأنك مــســلــم. هل تعلم كم صــعــب هذا الــأمــر؟ــ”.
في الفندق، التقى هفال بــالــنــاشــطــة ماجدالينا لوزاك من منظمة الإغاثة الــبــولــنــديــة “غروبا غــرانــيــكــا” (مجموعة الحدود). تفيد الناشطة، أن الشاب السوري الــتــقــاهــا عندما رآها ونــاشــطــيــن آخرين يقومون بــتــعــبــئــة طرود الــمــســاعــدات لــلــمــهــاجــريــن.
تقول ماجدلينا لـDW : “لم يكن يعلم أن هناك حالة طــوارئ عند الحدود. ولا يسمح لــلــبــولــنــديــيــن الــاقــتــراب من الــحــدود دون تــصــريــخ خــاصــ”. صــدمــه ذلك. كان يعتقد أنه يستطيع على الأقل الذهاب إلى الــحــدود وجــلــب الطعام والشراب والــأشــيــاء الدافئة إلى والــديــه هناك.
و”عندما لاحظ أننا لا نستطيع فعل أي شيء أيضا، كان يــائــســا”. في رأيها، فرص هفال في رؤية والــديــه مــعــدومــة. وتقدر أن كلا من الأم والأب ربما عانوا من الكثير من الــنــكــســات. مــوجــة مــهــاجــريــن وتابعت بالقول إن ما شاهدته على الــحــدود كان “أسوأ بكثير” مما كانت تــعــتــقــده سابقا .
يتعلق الأمر بــالــنــاس ومــصــائــرهــم – وليس بــتــدفــق الــلــاجــئــيــن: “لا أحد هنا يسألنا عن الــمــســاعــدة المالية. الجميع يطلب شيئا واحدا فقط: فــرصــة للبقاء على قــيــد الــحــيــاة والــعــيــش في بلد آمن”، توضح الــنــاشــطــة.
أكثر من مرة يؤكد هافال أن والــديــه ليسا بحاجة إلى المال، “لا يمكن لشخص فقير شراء تــذكــرة يتراوح سعرها بين 16 إلى 20 ألف يورو. الناس هنا على الــحــدود عندهم أموال، لكنهم رغم ذلك في زمــن الــحــرب لا يــشــعــرون بــأمــانــ”.
طــلــقــات تــحــذيــريــة من بــيــلــاروســيــا للبحث عن وضع آمن ، لم يحصل والــداه ولا الــمــهــاجــرون الآخرون على ذاك الــأمــان المرجو في بــيــلــاروســيــا. يراقب حرس الــحــدود من كلا الــجــانــبــيــن بعضهم البعض.
وزارة الدفاع الــبــولــنــديــة تحدثت عن “استفزازات” مــتــكــررة: أطــلــق رجال يــرتــدون الــزي الــعــســكــري الــبــيــلــاروســي طــلــقــات تــحــذيــريــة، وألــحــقــوا أضــرارا بــســيــاج الــأســلــاك الــشــائــكــة الــمــؤــقــت وتــســلــلــوا إلى الــأراضــي الــبــولــنــديــة.
ربما في العام المقبل، سيؤمن هــيــكــل فــولــاذي بارتفاع خمسة أمتار ونصف المتر مع قــمــة من الــأســلــاك الــشــائــكــة الجانب الــبــولــنــدي من الــحــدود، وهي أيضا الــحــدود الخارجية للاتحاد الــأوروبــي. كما سيتم تزويد بعض الــحــواجــز على الأقل مــجــهــزة بأجهزة استشعار الحركة والكاميرات.
وزير الداخلية الــبــولــنــدي ماريوس كامينسكي أعلن في بداية الشهر الجاري أن “الحاجز الذي نريد إقامته على حــدود بــولــنــدا مع بــيــلــاروســيــا هو رمز لتصميم الدولة الــبــولــنــديــةــ”. وأكد أن الــهــجــرة غير النظامية إلى بــولــنــدا ليست هــجــرة “طبيعية”.
الأحداث على الــحــدود الشرقية الــبــولــنــديــة هي بالأحرى “حرب هــجــيــنــة ” للرئيس الــبــيــلــاروســي ألــكــســنــدر لوكاشينكو ضــد بــولــنــدا. مساعدات لــلــمــهــاجــريــن هفال يتحدث عن ردود فعل طيبة من قبل الــبــولــنــديــيــن في المدينة التي يــقــطــن فيها في انــتــظــار والديه.
كثيرون من الناس هناك يريدون مساعدة الــمــهــاجــريــن عند الحدود. لكن هفال لا يفهم ســيــاســة الحكومة في بــولــنــدا. “لا أفهم كيف ينام الــســاســة هنا بهدوء، هم لديهم أسر أيضا”.
بــولــنــدا عاشت خلال الــاحــتــلــال الــنــازي في الــحــرب الــعــالــمــيــة الثانية نفس الــظــروف التي تعيشها سوريا اليوم، بحسب قوله. منذ بداية أيلول/ سبتمبر 2021، توقف كذلك الصحفيون عن الــمــجــيء إلى الــمــنــطــقــة الــمــحــظــورة التي يبلغ عرضها ثلاثة كيلومترات على الــحــدود مع بــيــلــاروســيــا.
ليس من الممكن الحصول على تصور لما يجري هناك. ولا يمكن بالفعل معرفة مدى تــوتــر الــمــوقــف حين تقود سيارتك عبر المناطق غير الــمــغــلــقــة في الــغــابــات الــكــثــيــفــة، حيث يمكن رؤية ســيــارات الشرطة وهي توقف المركبات التي تحمل لوحات أرقام أجــنــبــيــة.
تؤكد كاتارزينا زدانوفيتش الموظفة في حرس الــحــدود الــبــولــنــدي في بياليستوك أن دائرتها على علم بحالات مــشــابــهــة لحالة هــفــال. لأفراد يــمــلــكــون إقامة آمنة في دول الاتحاد الأوروبي، يأتون إلى بــولــنــدا لإحضار أقــاربــهــم.
تقول زدانوفيتش لـ DW: “لكننا نعرف أيضا أن هناك مــجــرمــيــن يــســتــغــلــون هذا الوضع ويــريــدون أخذ هؤلاء الــمــهــاجــريــن من الــحــدود ونقلهم عبر البلاد مقابل بــضــعــة آلاف من اليوروهات”.
الــلــقــاء بعد 12 عاما إلى متى يبقى هفال في انــتــظــار والديه؟ يجيب “لا أعرف، بالتأكيد هناك مشاكل كبيرة بين بــيــلــاروســيــا وبــولــنــدا، لكن أولئك الناس هناك في الــغــابــات لا ذنــب لهم”.
قبل نشر هذا النص، وصلت رسالة إلى هفال تفيد بأن والدته ترقد في مستشفى في بــولــنــدا. تقول الناشطة ماجدلينا في اتصال هاتفي. وضعها سيء جدا، لكنها تمكنت مع ذلك من لقاء ولدها.
والدة هفال الآن في بــيــالــيــســتــوك، كما تقول الناشطة ماجدلينا، ترقد في مقر مؤسسة الحوار البولندي، التي تساعد الــمــهــاجــريــن الــمــرضــى.
وأكد حرس الــحــدود الــبــولــنــديــون تسجيل المرأة كــطــالــبــة لجوء في بــولــنــدا. رغم ذلك لا يزال هفال يبحث عن والده ولا يعرف مكانه ولا وضعه: وكما يبدو فإن الــوالــديــن افترقا عن بعضهما في الــمــنــطــقــة الــحــدوديــة قبل أن تعبر الأم الــحــدود الــبــولــنــديــة.