شرح حديث : إِنَّ خَيْرَ أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ
الحمد لله. أولاً : الإثمد نوع من أنواع الكحل ، وهو أجودها ، ويوجد في الحجاز ، والمغرب ، وأصبهان ، وغيرها من الدول ، وهو في الأصل “حَجَر” أسود يميل إلى الحُمرة ، يدق ، ويُصنع منه كُحلاً للعينين .
قال مرتضى الزبيدي رحمه الله :
“الإِثْمِدُ ” حَجَرُ الكُحْل ، وهو أَسودُ إِلى حُمْرَة ، ومعدنه بأَصبهانَ ، وهو أَجْوَدُه ، وبالمَغْرِب ، وهو أَصْلَبُ” .
“تاج العروس” (4/468) .
وقال المباركفوري رحمه الله :
يكون في بلاد الحجاز ، وأجوده يؤتى به من أصبهان .
“تحفة الأحوذي” (5/365) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
وأجودُه : السريعُ التفتيتِ الذي لفُتاته بصيصٌ ، وداخلُه أملسُ ليس فيه شيء من الأوساخ .
“زاد المعاد في هدي خير العباد” (4/283) .
ثانياً :
جاء في السنَّة النبوية أحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الكحل ، وحثَّ على التكحل بالإثمد خاصة ؛ لمزاياه ، ومن ذلك :
1. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهماَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ خَيْرَ أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ) رواه أبو داود (3878) والنسائي (5113) وابن ماجه (3497) ، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
2. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (اكْتَحِلُوا بِالإِثْمِدِ فَإِنَّهُ يَجْلُو البَصَرَ ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ) رواه الترمذي (1757) ، وصححه الألباني في “صحيح الترمذي” .
3. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (عَلَيْكُم بِالإِثْمِد فَإِنَّهُ مَنْبَتَةٌ للشَّعْرِ ، مَذْهَبَةٌ للقَذَى ، مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ) أخرجه الطبراني في “الكبير” (1/109 ، رقم 183) وحسَّنه المنذري والعراقي وابن حجر ، انظر “الترغيب والترهيب” (3/89) و “فتح الباري” (10/157) .
ومعنى (يجلو البصر) أي : يحسِّن النظر ، ويزيد نور العين .
(ويُنبت الشعر) المراد بالشعر هنا : الهدب ، وهو الذي ينبت على أشفار العين .
انظر “عون المعبود” (11/75) .
وقد نصَّ العلماء على استحباب استخدام الكحل ، خاصة الإثمد منه .
قال ابن القيم رحمه الله في فوائد الكحل بعامة :
وفي الكحل : حفظٌ لصحة العين ، وتقوية للنور الباصر ، وجِلاء لها ، وتلطيف للمادة الرديئة ، واستخراج لها ، مع الزينة في بعض أنواعه ، وله عند النوم مزيد فضل ؛ لاشتمالها على الكحل ، وسكونها عقيبه عن الحركة المضرة بها ، وخدمة الطبيعة لها ، وللإثمد من ذلك خاصية .
“زاد المعاد” (4/257) .
وقال رحمه الله في فوائد الإثمد خاصة :
ينفعُ العين ويُقوِّيها ، ويشد أعصابَها ، ويحفظُ صِحتها ، ويُذهب اللَّحم الزائد في القُروح ويُدملها ، ويُنقِّي أوساخها ، ويجلوها ، ويُذهب الصداع إذا اكتُحل به مع العسل المائي الرقيق ، وإذا دُقَّ وخُلِطَ ببعض الشحوم الطرية ، ولُطخ على حرق النار : لم تَعرض فيه خُشْكَرِيشةٌ – أي : قِشرة – ، ونفع من التنفُّط الحادث بسببه ، وهو أجود أكحال العين ، لا سِيَّما للمشايخ [كبار السن] ، والذين قد ضعفت أبصارُهم ، إذا جُعِلَ معه شيءٌ من المسك .
“زاد المعاد في هدي خير العباد” (4/283) .
ثالثاً :
الكحل من أنواع الزينة التي تتزين بها المرأة ، وعلى هذا ، فلا يجوز للمرأة إظهاره أمام الرجال الأجانب ، كما لا ينبغي للرجل أن يقصد التزين به .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
والاكتحال نوعان :
أحدهما : اكتحالٌ لتقوية البصر ، وجلاء الغشاوة من العين ، وتنظيفها وتطهيرها بدون أن يكون له جمال ، فهذا لا بأس به ، بل إنه مما ينبغي فعله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل في عينيه ، ولا سيما إذا كان بالإثمد .
النوع الثاني : ما يقصد به الجَمال ، والزينة ، فهذا للنساء مطلوب ؛ لأن المرأة مطلوب منها أن تتجمل لزوجها .
وأما الرجال : فمحل نظر ، وأنا أتوقف فيه ، وقد يفرَّق فيه بين الشاب الذي يُخشى من اكتحاله فتنة ، فيُمنع ، وبين الكبير الذي لا يُخشى ذلك من اكتحاله ، فلا يمنع .
“مجموع فتاوى الشيخ العثيمين” (11/73) .
فتبين بهذا أن الإثمد نوع من أنواع الكحل ، وهو يميل إلى الاحمرار ، وله خاصية تقوية البصر ، وتنظيف العين ، ويستحب استخدامه للرجال والنساء ، إلا أنه لا ينبغي للرجال استعماله إذا قصد به الزينة ، ولا يجوز للمرأة إظهاره لغير محارمها وزوجها .