سوريون قطعوا الأمل بالتغيير: الهجرة ملاذنا الوحيد للخلاص
غير آبهٍ بنتائج الانتخابات الرئاسية التي يجري التحضير لها على قدم وساق في سوريا، يستعد فراس للرحيل مع عائلته بعيداً عن أرض الوطن واختار طريقاً محفوفاً بالمخاطر على البقاء في بلد يراقب السوريون انهياره البطيء.
لم يستطع توقف الآلة العسكرية و الاستقرار الأمني المشروط من إقناع الناس بتوفر بيئة آمنة اقتصادياً و سياسياً، فالسوريون اليوم معظمهم مقتنع أن الغلبة ستكون من نصيب الأسد، وهذا يعني أن التغيير القادم المنشود سيكون بعيد المنال.
الدول التي يمكن أن تساهم في إعادة الإعمار تشترط خروج الأسد من السلطة وكذلك هو الشرط لرفع العقوبات الاقتصادية.
يأس من التغيير
حياة فراس تغيّرت خلال العشر سنوات الماضية، فالشاب صاحب الـ38 عاماً، مطلوب للخدمة في صفوف الاحتياط لقوات النظام منذ سنوات، واضطر تحت وقع ظروف عائلته للبقاء داخل البلاد.
تمكّن فراس من التخفي والهروب من الأجهزة الأمنية، عن طريق العمل ضمن قريته، ولم يتمكّن من الخروج منها طيلة التسع سنوات الماضية.
اليوم يعيش فراس في سجن كبير اسمه سوريا: “لم يكن لدي خيار، لا أستطيع الخروج أبعد من مدينتي، أنا مسجون هنا، حتى يتغيّر شيء ما بسوريا” يقول فراس ويتابع “لكن الآن أصبح كل شيء واضحاً، لن يكون هنالك تغيير وهذا يعني أنني أمام خيار صعب، هو ترك كل شي والرحيل بأي طريقة”.
يقطن فراس في ريف حمص، ويعمل كمتعهّد بناء، ورغم كون دخله أفضل من كثيرين إلا أنه سئم كما عائلته، سوء الخدمات منقطع النظير، والطوابير الطويلة للخبز والبنزين وغيرها، يضاف إليها ظرفه العسكري، كل ذلك دفعه للتفكير بالمخاطرة والرحيل.
يوضح فراس لـ”روزنة”: “بعت منزلي وسياتي بمبلغ يصل إلى 70 مليون ليرة سورية، أي نحو 28 ألف دولار أميركي، وأنا مستعد للرحيل، رغم كونه قرار صعب”.
تواصل فراس مع عدّة مهربين وتمكّن من الاتفاق مع مهرّب قال إنه قادر على تهريبه من حواجز النظام ثم تسفيره عن طريق لبنان إلى أوروبا بالطائرة بمبلغ قدره 15 ألف دولاراً، وحده دون عائلته، لكنه فضّل التريّث حتى يتواصل مع معارفه خارج سوريا ليسمع تجاربهم ونصائحهم.
وفي حال استطاع فراس السفر والوصول إلى أوروبا سينتظر لم شمل عائلته كما باقي اللاجئين.
تكمن صعوبة قرار فراس، في كونه بنى سمعة مهنية خلال سنوات طويلة، ورصيداً مع زملاء العمل، إضافة لقربه من إخوته ووالده ووالدته، لكنه أخيراً صمّم على الرحيل تماماً، تزامناً مع التحضير للانتخابات الرئاسية.
يقول فراس “لا شيء سيتغيّر في سوريا، الأمر واضح، سيستمر الأسد رئيساً، وسأبقى أنا منتظراً ربما حتى نهاية حياتي على قائمة الاحتياط، محظوراً من التنقّل”
ويجري التحضير لانتخابات الرئاسية السورية يوم غد الأربعاء داخل البلاد، بعدما جرى التصويت للمرشحين الثلاثة (عبد الله سلوم عبد الله، ومحمود مرعي، وبشار الأسد) في السفارات السورية منذ أيام، مع أجواء مشحونة بالتوتر، ولا سيما بلبنان، حيث أُجبر كثيرون على التصويت للأسد، تحت التهديد، وفق تقارير إعلامية.
القشة التي قصمت ظهر البعير!
وحتى أبو عثمان، 55 عاماً، الذي بقي مصراً على البقاء في سوريا، وفوّت فرصاً كثيرة للسفر، بحسب ما قال لـ”روزنة”، اليوم يسعى بكل جهده للسفر خارج حدود البلاد.
يقول أبو عثمان، وهو موظف متقاعد في ريف دمشق لـ”روزنة”: “الانتخابات كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير، بالفعل القضية السورية أصبحت مستحيلة الحل، والغريب هو كمية الناس المؤيدة لبشار الأسد، لا أعرف ما سبب التأييد”.
ويردف أبو عثمان “جاري في البناء، لم يترك كلمة إلا وتفوّه بها منتقداً الوضع الذي وصل إليه البلد، وخدماته وظروفه المعيشية، ومع ذلك خرج بمسيرة تأييداً للأسد، ما هذا الانفصام؟!”.
يسعى أبو عثمان أيضاً للسفر خارج البلاد، ويسأل عن الطرق المتاحة للسفر وتكلفتها مع زوجته وأطفاله الأربعة، أسوة بشقيقه الذي باع منزله منذ سنوات وسافر إلى هولندا عن طريق مهرّب عبر البحر.
ليس بحيلة الموظف المتقاعد أبو عثمان سوى منزله، ويتواصل مع السماسرة بشكل مستمر للحصول على أعلى مبلغ ممكن يمكنه من دفع تكاليف طريق التهريب
لماذا الاحتفال بالأسد!
هدى، 35 عاماً، أيضاً ترى أنّ الوضع في سوريا وصل إلى حد الجنون، تقول لـ”روزنة”: “الناس فقدت عقلها، مسيرة صباحاً، وقطع كهرباء مساءً، لا بل جوع صباحاً يرافقه مسيرة مؤيدة للأسد، شيء غير طبيعي أبداً”.
رحلات هجرة يومية
ووفق تقارير إعلامية، تنشط رحلات الهجرة بين السوريين مع حلول فصل الصيف، إذ أعلنت السلطات القبرصية يوم الجمعة الماضي، “حالة الطوارئ” بسبب المهاجرين السوريين القادمين من طرطوس، وناشدت الاتحاد الأوروبي لمساعدتها في وقف تدفّق المهاجرين السوريين.
وزير الداخلية القبرصي، نيكوس نوريس، قال إنّ قبرص تشهد منذ الأسبوع الفائت “موجة يومية من المهاجرين الواصلين” إليها عبر البحر من ميناء طرطوس، وفق وكالة “فرانس برس” الفرنسية.
وكانت السلطات اللبنانية أعلنت الخميس الماضي توقيف 125 مهاجراً سورياً كانوا على متن مركب قبالة شواطئ العريضة ـ عكار شمالي لبنان، خلال محاولتهم الهجرة عن طريق البحر إلى أوروبا.
واعترض الجيش اللبناني 4 أيار الجاري، 51 لاجئاً سورياً، بينهم نساء وأطفال، كانوا يحاولون عبور البحر إلى قبرص، وفق موقع “لبنان نيوز”.
ويعاني السوريون من تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، بعدما تجاوزت الليرة السورية حاجز الـ 3 آلاف أمام الدولار الأميركي، ما أدى لارتفاع الأسعار وتردي الوضع المعيشي، ودفع بمئات السوريين للهرب وطلب اللجوء بحثاً عن حياة أفضل.
المصدر : روزنة
…….